المعلوم أنّ مفهوم الأمن ليس مفهوماه جمدا وإنما يتغيّر ويتطور بحسب الظروف والمستجدات ويخضع لطبيعة التهديدات ونمط الصراعات الّتي تتغيّر عبر الزمن، فالأمن حالة ديناميكية مركبة لا تتصف بالجمود وخصوصا في ظلّ التحول في مضامينه جراء تغيير المشهد الدولي ما بعد الحرب الباردة، وهو ما أدى إلى إعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية، إذ لم يعد الفعل والـتأثير في المجال الدولي حكرا على الدولة القومية إذ أصبح هناك فاعلين دوليين من غير الدول كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية، كما حدث تحول في مصادر التهديد الأمني إذ لم يعد التهديد العسكري الخارجي المصدر الوحيد لتهديد أمن الدول أمام تنامي تهديدات أمنية متعددة ومتشابكة ومتباينة الخلفيات وكذا الأسباب من جريمة منظمة، تجارة المخدرات، الهجرة غير الشرعية، والّتي عرفت في حقل الدراسات الأمنية بالتهديدات اللّاتماثلية أو اللّادولاتية التي لا تعترف بالحدود السيادية للدول، والّتي أصبحت تجسّد تهديدا مباشرا للأمن الإنساني على اعتبار أنّ أمن الدول اليوم يكمن في أمن أفرادها وحمايتهم من هذه الظواهر فوق القومية الّتي تستهدف إضعاف الروح الوطنية وتشتيت الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية وتفكيك للتجانس الاجتماعي. استنادا لذلك تحقيق الأمن أصبح رهينا بمدى قدرة الدول على إيجاد الميكانيزمات المناسبة لمجابهة التهديدات الأمنية الجديدة التي أثرت بشكل كبير على الأمن الإنساني بكل أبعاده، ففي مجابهتها تحقيق لأمن الفرد وأمن الدولة في الوقت نفسه، غير أن الأمر لا يمكن حصره في كفة واحدة تتضمن جهود الوحدات الدولية منفردة بل يحتاج الأمر إلى تضافر وتنسيق جهود المجتمع الدولي على اعتبار
أن الأمن الإنساني لا يتوقف عند الحدود الإقليمية لدولة معينة بل هو مطلب وغاية في ان واحد يخص المنظومة الدولية بأكملها، الأمر الذي إلزامية البحث عن مؤشرات عملية عن واقع الأمن الإنساني في ظلّ تزايد حدّة التوترات والنزاعات الدولية في العديد من الأقاليم وكذا وجود حكومات فاقدة للشرعية، استفحال ظاهرة الفساد بكل أشكاله، غياب للثقة بين الحاكم والمحكوم، طرح أزمة هوية، مصادرة للحقوق والحريات، ارتفاع معدلات الفقر، تدني المستوى المعيشي، ضعف للقدرة الشرائية، تدهور المجتمعات وتشرذمها جراء انتشار الأفكار المتطرفة، وبناءا على ذلك أثيرت الإشكالية البحثية التالية: فيما تكمن الآليات الكفيلة بالحفاظ على الأمن الإنساني في ظل تنامي حدة التهديدات اللّاتماثلية؟