ارتبط التدوين التاريخي لحضارة وآثار بلاد المغرب القديم في بداياته الأولى بالدراسات الأوربية عموما وأعمال المدرسة الفرنسية على وجه الخصوص، لما تحقق في هذا المجال من دراسات وأبحاث متخصصة ولاسيما خلال الفترة الاستعمارية، في وقت كانت لا تزال فيه عدد الدراسات المغاربية تعد على الأصابع وتقتصر على مؤلفات شمولية تحاكي تاريخ المنطقة عبر عصور ها التاريخية على غرار أعمال المؤرخ محمد مبارك الميلي، عبد الرحمن الجيلالي، أحمد توفيق المدني، حسن حسني عبد الوهاب، محي الدين المشرفي ...إلخ، وأتي هذا الجهد المحمود بغرض التعريف بحضارة راسخة جذورها في تاريخ البشرية من جهة، وإدراكا من هذه النخب بضرورة التصدي ودحض الأطروحات الاستعمارية المتعلقة بهذا الخصوص.
وشهدت الفترة ما بعد الكولونيالية اهتمام الجامعات العربية والمؤرخين المشارقة بمصر، العراق، سوريا، فلسطين وغيرها من البلدان المشرقية بتاريخ وآثار المغرب القديم تكوينا وتأليفا وتعريبا، إذ فتحت بعض هذه الجامعات أبوابها للطلاب المغاربة، كما أوفدت بعض أساتذتها المتخصصين في التاريخ القديم للتدريس في الجامعات المغاربية من أمثال المؤرخ رشيد الناضوري، إبراهيم نصحي، مصطفى الألفي، بيومي مهران، مصطفى كمال عبد العليم، عبد اللطيف البرغوثي، طه باقر، رشيد فوزي، مصطفى لعبادي وغيرهم كثيرين، وتتلمذ على يد هؤلاء الرواد جيل جديد من المؤرخين المغاربة في تاريخ الحضارة المغاربية القديمة على غرار محمد البشير شنيتي، محمد الهادي حارش، محمد الصغير غانم، محمد التازي، محمد الطاهر العدواني، أم الخير العقون.. إلخ، كما كان لهم الفضل في توجيه الكثير من طلابهم المشارقة لإنجاز عدد من الرسائل العلمية في هذا الحقل البحثي، مما ساهم في ظهور مختصين في هذا المجال، وأصبح هذا التاريخ يدرس كمقرر ضمن التاريخ العام القديم .

وتعاظم الاهتمام بالتاريخ القديم للمنطقة المغاربية بظهور كوادر مشرقية متخصصة في تاريخ إفريقيا القديمة وآثارها على إثر إنشاء معاهد متخصصة بتاريخ الحضارة الإفريقية والحضارة المتوسطية على غرار معهد الأبحاث والدراسات الإفريقية سابقا (كلية الدراسات الإفريقية العليا حاليا) بجامعة القاهرة ومعهد البحوث والدراسات الإفريقية ودول حوض النيل بجامعة أسوان بمصر، معهد الدراسات الإفريقية الأسيوية بجامعة الخرطوم بالسودان ..إلخ، مما ساهم في انجاز مجموعة من الرسائل العلمية من درجة الماجستير والدكتوراه، إلى جانب مشاركة أعضاء هيئات التدريس بهذه المؤسسات وغيرها في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية مظهرين الحضارة المغاربية القديمة وما قدمته لتاريخ البشرية، كما اتسعت دوائر البحث في هذا التاريخ بفضل عقد الملتقيات العلمية في معظم الجامعات ومراكز الأبحاث التاريخية في المشرق على غرار مؤتمرات اتحاد الأثريين العرب، مؤتمرات اتحاد المؤرخين العرب و كذلك بفضل صدور المجلات متخصصة لنشر الأبحاث والدراسات وتداولها بين المؤرخين.
ويأتي انعقاد هذا الملتقى بالنظر إلى الجهود المحمودة للجامعات المشرقية عموما في التعريف بتاريخ وآثار بلاد المغرب القديم عموما ودور الجامعات المصرية وبخاصة جامعة عين شمس بالقاهرة وجامعة الإسكندرية على وجه الخصوص، وتجسيدا لرؤية جديدة تهدف إلى رصد حركة التدوين التاريخي لحضارة وآثار بلاد المغارب في العصور القديمة خارج أعمال المدرسة الفرنسية المعروفة لدى المختصين، وذلك من أجل إحصاء وتصنيف وتقييم الأعمال العالمية المنجزة بهذا الخصوص كل على حدا والتي ستشمل مستقبلا الدراسات الأوربية (الألمانية، البريطانية، الإيطالية، الإسبانية، البولونية) والأمريكية وغيرهما.